|
عرار:
د. نهال غرايبة أثر الفراشة هي نظرية فيزيائية جرى اكتشافها من باطن نظرية الفوضى، تُفَسر ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة التي تنجم عن حدث أولي وقد يكون بسيطًا، لكنه يوّلد سلسلة من النتائج المتتالية والتي تفوق في حجمها وتأثيرها مراحل الحدث الأولي وبشكل غير متوقع. فالمصطلح إذن جاء لوصف الحدث وليس تفسيره. ولو أردنا تطبيق هذه النظرية على حياة القاص الأردني جمعة شنب سنرى أن بعض الأفعال الصغيرة والدقيقة، وبعض الأشخاص الذين مرّوا به أو مرّ بهم عبر تجربته الطويلة، كان لهم تأثير كبير في نمط حياته، ما أحدث تحولات جذرية في كتاباته، وتجلّياتها التي لم تتوقّف عن التجريب المثابر، السّابح في عوالم متباينة. جمعة شنب الذي بدأ حياته في مخيم للاجئين الفلسطينيين مع أسرة صغيرة وفقيرة، حالها حال جميع الأسر آنذاك، كانت بداياته تائهة وغائمة، وكان شخصًا محبًّا للعزلة، يؤثر عدم الاختلاط مع الآخرين، كما قال في إحدى مقابلاته1، لم يكن يعلم يومها بأنه سيصبح كاتبًا معروفًا ذا صيت وشهرة. ولو عدنا لبدايات جمعة شنب لعلمنا بأنه بدأ بكتابة الشعر ونشره في صفحات الهواة وبريد القراء في الصحف المحلية ذلك الوقت، ليأتي جناح الفراشة ويعصف به إلى كتابة النثر ليبدع في مجاله، وكان جناح الفراشة تلك الطالبة ذات المريول الأخضر المرقع (مريم)، «تلك التي طاردتها في مخيّلتي أكثر من سنتين، ومررت من باب سقيفتها تسعين ألف مرّة، حتى أصادفها واقفة -صدفة أو عمدًا- وأرمي لها بغمزة من عيني اليمنى في ذهابي، ومن اليسرى في إيّابي..»1 بسبب مريم تحوّل جمعة من كتابة الشعر إلى كتابة النثر، وإلى كتابة رسالة من أربعين صفحة؛ كان ذلك في بدايات المرحلة الدراسيّة الثانوية، والتي أُصدر خلالها مجموعته الأولى ( للأرض جاذبية أخرى)2، وجاءت قصصها من الواقع، محللة لواقع الإنسان وتفكيره في ذلك الوقت (تيسير رمضان)، وبعد ذلك أصدر مجموعته الثانية (الرسالة الأخيرة)3، والتي تعد البدايات الأولى للقاص الشاب، انصبّ تركيزه فيها على المخيم ومعاناته، ومن ضمن القصص نجد عنوان (مريم)، جناح الفراشة الذي عصف به، وفي تقديم المجموعة نجد القاصّ المرحوم خليل السواحري4، يتنبأ بميلاد قاص جديد من أبناء المخيمات الفلسطينية، وهذا يعد أول تأثير لجناح الفراشة، أو لنقل: نتائج الحدث الأول الصغير في حياة جمعة، والذي نتجت عنه هاتان المجموعتان. بعدها جاءت مجموعته الثالثة (موت ملاك صغير)5 والتي أولى قصصها (مريم) وقد أعاد نشرها القاص لبعض التغييرات لأسباب فنية وموضوعية6، وكانت قصصه مشابهة لمجموعاته السابقة، بحيث ركّزت الحديث على حياة المخيم وأبنائه ومعاناتهم. عندما أنهى جمعة شنب العسكرية، وفي أحد الأيام التقى القنصل في السفارة الأمريكية7، الذي منحه تأشيرة سفر مدتها خمس سنين، فغادر إلى الولايات المتحدة، تاركًا وراءه الكتابة والكتب؛ أراد أن يجرب حياة أخرى، بعيدًا عن المخيم وآلامه، وليتعلم لغة جديدة، وهذا أيضًا جناح فراشة آخر عصف به ليغير مسار حياته وحياة الآخرين معه. انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومكث بها، ومن تأثير هذا الجناح أنّه انقطع عن الكتابة مدة تسعة أعوام ، عاد بعدها إلى محاولاته في الكتابة، وشرع في كتابة روايته، التي ما إن قطع شوطًا طويلًا فيها لتُسرق منه مسودتها، ليُعصف به من جديد، ويصاب بأزمة حدت به على تطليق الكتابة مرة أخرى مدّة أربع عشرة سنة، ثمّ وبعد أن تقلبت به الظروف والأماكن قرر العودة الى البلاد، وهنا من آثار الفراشة وعصفها بجمعة شنب وما أخذه من تجربته في بلاد العم سام، إذ عاد وانشغل بالكتابة، ليصدر أول مجموعة بعد انقطاع طويل فكانت (قهوة رديئة)8 التي جاءت مختلفة عما سبقها، فقد كُتبت بوعي أكبر للقضايا الاجتماعية وسرد للأحداث بأسلوب شيق، وبعدها توالت كتابات القاص ليصدر مجموعتين (بنت الحرام)9و( رجل غير مهم بالمرة)10، فأبهر الجميع بقصصه الرائعة وأسلوبه المدهش والساحر. إذن كان تأثير الفراشة في حياة جمعة شنب محمولًا على أكثر من جناح، وتأثيره كان باتجاهين الحياة العملية والأدبية، جناحه الأول مريم ذات المريول الأخضر، التي كانت نقطة تحوله من الشعر إلى النثر، وجناحه الثاني كان القنصل الذي منحه تأشيرة سفر، ليكون نقطة تحوله من عمله في الصحافة والإعلام إلى التجارة الحرة في الولايات المتحدة الأمريكية، بل تحول جذري من حياته في بلده العربي إلى بلد أجنبي، وانقطاع طويل عن الكتابة وكرهه لها، والجناح الثالث كان آثار تجربته الطويلة في السفر وما لقيّه من عناء ومشقة، لتكون نقطة تحول ليعود لوطنه، ويشرع في الكتابة. فأصبح من أشهر كتاب القصة القصيرة والقصيرة جدا، بأسلوبه الجديد والمدهش، كما تنبأ به المرحوم الكاتب خليل السواحري. جدير بالذكر أن «العائدون للنشر والتوزيع في عمان» قامت بإصدار مختارات من قصص جمعة شنب مؤخرًا. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 04-03-2022 07:48 مساء
الزوار: 677 التعليقات: 0
|