|
عرار:
د. محمد عبدالله القواسمة أحسنت الكاتبة هديل حسن المغربي صنعًا، بل كانت موفقة في منح عملها الإبداعي عنوان «مرور الكرام» الذي استقته من عنوان فرعي لنص من النصوص الواردة في الكتاب، ذلك النص الذي تتأمل فيه القمر، وهو يلقي نوره على الأرض، في أثناء مروره بسلام وهدوء، دون تفاخر أو كبرياء. ويوحي العنوان الرئيس بأن الكاتبة تمر مرورًا سريعًا على ما تطرحه في كتابها، إنها لا تتوقف عند موضوع بعينه، لتحيط به من جميع جوانبه، كما إنها لا تتعمق في المعاني والأفكار، ولا تستطرد في ذكر التفاصيل أو تعيد النظر في التراكيب اللغوية والكلمات؛ فهي لا تتكلف القول أو تتصنعه بل تدعه ينثال على الورق انثيالًا. يؤكد هذا التوجه ما ورد بجوار العنوان من كلمات في تجنيس العمل بأنه نصوص شعرية وخواطر. وكذلك في ما أوردته الكاتبة في نصها الافتتاحي الموسوم بـ «المقدمة» عندما تناولت الحديث عن الحياة بما فيها من منعطفات وتقلبات، ودعت إلى مواجهتها بجرأة وبطولة وشهامة. فجاءت المقدمة عتبة مختلفة عن سائر المقدمات؛ فلم تتحدث الكاتبة عن أهداف الكتاب وموضوعاته وأسلوبه. لا شك في أن العتبات النصية التي تجلت إنْ في العنوان الرئيس والفرعي، أو في صورة الغلاف التي ظهر فيها ثلاثة أفراد من المارة في طريق غامضة، أو في المقدمة تتجاوب مع ما جاء في الكتاب من نصوص قصيرة نشر كثير منها في الصحف. وهي تضم خواطر ذاتية شعرية وسردية في موضوعات شتى، شغلت الإنسان منذ القدم وحتى عصر الحداثة وما بعد الحداثة، مثل: الغربة والهوية والحرية والطبيعة والزمان والمكان والمرأة والعائلة (صور الأم والأب والجد والجدة) وغيرها. ففي خاطرة ذاتية تتأمل الكاتبة الغربة، وترى أنها شديدة على النفس، بما فيها من إحساس بالوحدة، والبعد عن الأهل والوطن، والتحسر على الأيام الماضية، والحلم بالعودة إلى الوطن، ولقاء الحبيب وسماع صوته في صور سريالية واضحة» الغربة هي أن تطفئ شمعة ميلادك وحيدًا في العتمة بين أربعة جدران، أو ألا تشعلها من الأساس مستعينًا بالنسيان وبعض أشكال اللامبالاة. هي أن تتلهف لسماع صوت من تحب، أو رؤية صورته، وكأنها قطعة صبر تحتسيها مع كوب من الأمل في ظل برودة اللحظة» وفي خاطرة ذاتية سردية تحن فيها الكاتبة إلى الطفولة، وتتذكر أيامها الجميلة، التي تعيش ذكرياتها باستمرار رغم تقدم العمر» إذا سئلت يوما ما: كم من مراحل العمر قطعت، سأجيب بعد التنهيدة العميقة بمطلع الأغنية الشهيرة» أطفالًا ما زلنا» وفي خاطرة شعرية ترنو الأديبة هديل إلى فلسطين، وتتمنى أن تكون على ثراها، مسترجعة أمجاد صلاح الدين في لغة مباشرة ومعان واضحة، لكنها مشبعة بالحب والحنين. تقول في نص عنوانه» عاصمة فلسطين» مع الانتباه إلى أن «كان « تفيد الاستمرار: «أعيدوني إلى أعوام ما قبل الثمانية والأربعين... أعيدوني إلى خريطة الزمن القديم.. واتركوني هناك على أرض كان اسمها فلسطين... دعوني استنشق هواء القدس والخليل وريف جنين.. دعوني أسترجع كرامة العرب واسترجع ذكرى حطين...» هكذا رأينا بهذه الإطلالة السريعة والأمثلة المنتقاة من كتاب» مرور الكرام» لهديل المغربي بأنه تجربة واعدة. وهي مثل غيرها من التجارب لكثير من الأدباء الكبار والكتاب المشهورين في بداية تجشمهم الكتابة، فيها تلمس الطريق، ومحاولة تعرف الوديان الفكرية والإبداعية التي ستكون عليها في المستقبل. إنها تجربة تنعم باللغة الرومانسية، والصور الحسية الحالمة، والكلمات الرقيقة المحملة بالعاطفة، والمفعمة بالحب للحياة والناس جميعًا. ولعل هذا ما نحتاجه في هذه المرحلة التي اقترف فيها الإنسان الأخطاء عندما غير في البيئة وأفسد الأرض والجو؛ فجلب لنفسه الأمراض والهموم، ولغيره من الكائنات الموت والانقراض. وأظنها هديل ستستفيد من هذه التجربة في أعمالها القادمة؛ لتأتي أشد سطوعًا، وأغزر معنى، وأقوى فكرًا، وأنصع بلاغة، وفي تأن ودقة وتدبر من خلال التركيز على موضوع معين، تخاطب به المتلقي سواء أكان من رواد الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أم من القراء الجادين والنقاد المتميزين. جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 18-08-2023 08:10 مساء
الزوار: 628 التعليقات: 0
|