نظم ملتقى إربد الثقافي وملتقى عنجرة الثقافي وملتقى المرأة الثقافي، مساء أول أمس، في ملتقى اربد الثقافي، أمسية شعرية للشاعرين: أحمد الكناني ونسيبة علاونة، أدارتها الشاعر الدكتورة إيمان العمري بفقرات شعرية وسط حضور من مثقفي محافظة أربد والمهتمين، وقد تناوب كل من الشاعرين في القراءة التي نالت استحسان الحضور.
القراءة الأولى استهلها الشاعر الكناني صاحب ديوان «ذاهب في خساراته»، حيث مجموعة من قصائده العمودية وقصيدة التفعيلة، معتبرا أن القصيدة ليست كلاما ولا البلاد، فقد عاينت في قصائده توجعات الإنسان في الوطن الراهن، معاتبا البلاد برؤيته الشعرية الخاصة التي تمثلت بالحفر عميقا بما أصاب من ويلات ونكبات، حيث ذهب الشاعر يغمس حروفه المبللة بماء الآسى بقمح البلاد، تاليا على الخسارات معنى الحزن ومعنى السلام، شاعر يأخذك إلى جدلية الحزن وبرد الأرواح.
في احدى قصائده يقول: «القصيدة ليست كلاما/ ولا البلاد/ التي أكتبها ادعاء/ ما عشت سوى لهما/ كي أغمس شعري بقمح البلاد/ وأسقيه إذا جف ماء»، ويمضي يقول: «عاتبٌ أيّتها البلاد التي ضاقَ صدرُ أبنائها بالكلام/ ولو أنّهم يرعوونَ/ ما أذبلَ البردُ أزهارَهم/ ولا غافلَ القحطُ أشجارَهم/ يا إلهي/ كأنّنا ننفخُ في قربةٍ مثقوبةٍ/ كأنّنا نرجُمُ/ أشجارنا المثمرات بحجارة ألسنتنا/ ونبكي نادمين/ نلقي على خساراتنا آيات حزننا والسلام».

ويقول في قصائده الموجعة: «البلد/ البلدْ: أن تنامَ على شوكةٍ/ في سريرٍ وثيرٍ/ ولا يسمعُ شكواكَ/ من وخزةٍ/ أحدْ/ البلدْ: صَدى صوتِ حزنِكَ/ في مكانٍ قَصِيٍّ/ حين لا يسمعُ/ صوتَ نِداكَ أحدْ/ البلَدْ: سؤالُ العائدينَ/ عنْ تينة الجدِّ،كانتْ هناكَ/ وكانَ أكبرُهم حين تركوا البلادَ ولَدْ».
ويستحضر الكناني في قصيدة أخرى ما نقشه في طفولته على كراريس الكتاب والحيطان فيقول بما رسخ في ذاكرته من «لثغة» الشاعر المبحر في الماضي: «ما كنتُ ألثغُ/ إذ كتبتكِ في زمانِ طفولتي/ نقشاً على الجدران/ فوق دفاتري/ حرفاً بذاكرة الحديقة/ كي يظلّ الوردُ أبهى/ والرّبيعُ يطلّ من ناي الرّعاة/ وكنتُ أحلمُ بالمواسم/ أوقظُ اللّحنَ الحبيسَ/ وأحتفي بغناء أمّي».
أما الشاعرة والكاتبة نسيبة علاونة، قرأت غير نص شعري من مثل:»الموسيقى، في أول المطر، خائنة يا وطني، وضلال»، نصوص شعرية لا تخلو من القصّ الشعري المفعم بالعذابات، عذابات الروح وشؤون المرأة التواقة للحياة، نصوصها تقترب كثيرا من الوجع الإنسان وما آلت إليه الأحوال في عجلة الحياة، لغة متقنة تقف على مجريات الأحداث، فكانت موسيقاها شفافة تأخذ المستمع لها إلى فضاءات الروح المتعبة لتستقر في الوجدان، نصوص لا تخلو من فلسفة البوح.
من نصها الشعري «الموسيقى»، نقتطف هذا المقطع:»الموسيقى/ هي فكرةُ الرُّجوعِ/ وأنتَ ذاهبٌ/ تَدُقُّ تَصفُرُ في أُذُنيكَ/ تَغمُرُكَ وأنتَ ضَئيلٌ/ وسَط المساحاتِ/ بشبرِ وطنٍ فَتَرسُمُ وأنتَ على رُؤُوسِ أصابِعِكَ/ وفاتِحٌ ذراعيكَ/ خارطةَ الطَّريقِ/ تقفُ ترجِعُ خُطوتين للوراء/ تدورُ دورتينِ في الهواء/ تهُزُّ رأسَكً يمينًا يسارًا/ وعيناكَ مُغلقَتان/ وردتانِ في عقلِكَ/ تهتزّانِ فَتُصَفِّقُ عاليًا/ عشراتِ المرّاتِ المتتالياتِ». 
وتسافر بنا على جناح غيمة ماطرة وبلغتها الموحية، حيث تقول «أول المطر»: «في أول المطر والليل/  ولأني وحيدة/ أقنعت نفسي أني شجرة/ تجاهلت المصابيح المفقوءة حولي/ على أيدي صبيان الحي العابثين/ وهي تنظُرُ لي بنصفِ عَينٍ وربعِ وجهٍ/ تجاهلتُ الرًِّيحَ القَويَّةَ/ و أنا أترنَّحُ في كُلِّ الاتِّجاهاتِ/ كامرأةٍ لا تُجيدُ الرَّقصَ/ وتَرقُصُ تَرقُصُ/ تجاهلتُ  النَّوافِذَ/ الموصَدةَ بوجهِي/ الآخِذَة من عمرِي/ إطلالةَ الحياة/ تجاهلتُ الطُّيورَ النازِحَةَ عن أكتافِي/ الذَّاهِبَةَ بألحانِها بعيدًا عن مأتمِي/ تجاهلتُ الحطَّابينَ المُجتَثِّينَ أطرافِي/ السّاحِبينَ إلى السَّعيرِ/ عروقي/ وظَلَّ سُؤالٌٌ يُراوِدُنِي/ وأنا مُتَسَمِّرَةٌ/ لِمَ اخترتُ تحديدًاِ أن أكونَ شجرةً/ ولم أختَر أن أكونَ امرأةً سعيدةً».
وختمت قراءتها بنص حمل عنوان:»ضَلال»، لا يخلو من الكثيف والإختزال في بنا الجملة الشعرية والقفلة المدهشة لهذا النص ونصوصها الأخرى القصيرة، تقول فيه:»آخرُ الرِّجالِ التّائبينَ/ عن النِّساءِ/ يُحصِي ثقوبَ يديهِ/ كان كُلّما اقتلعَ/ امرأةً من قلبهِ/ نشبَت بأصابِعِهِ أشواكُها/ يجلسُ اليومَ على حافةِ الرَّواءِ/ وحيدًا/ كلما غرَفَ بيديهِ شُربةً/ لثَمَ  الفقاعاتِ/ لعنَ الماءَ/ والغريبُ أنَّهُ/ لم يفكِّر  يومًا أن يلعنَ/ النِّساء».