استضاف فرع رابطة الكتاب الأردنيين مساء أول أمس، الشاعر المغترب أنور الأسمر صاحب ديوان «أبابيل الغياب»، في أمسية شعرية وقع خلالها ديوانه الجديد «بكى نصف الكلام»، وأدار حفل التوقيع الشاعر الدكتور حربي المصري وسط حضور كبير من المثقفين والمهتمين.
واستهل الأمسية الشاعر الأسمر بقراءة مجموعة من القصائد هي: «بكى نصف الكلام»، دروس في حكمة الخريف، لاتمسح دمعتك في غير موعدها، أتفكر بالحب، هذا أنا، ولم أر مطرا»، قصائد رسم لنا من خلالها الشاعر صورا بانورامية تتجادل بلغتها وفلسفتها وتشكيلاتها اللغوية المبهرة وكذلك الحوارات المبنية ضمن مضامين تبحر في عذابات الروح وتجلياتها، فكان البحر والقصيدة الطفلة والأرض سمفونية الروح وكانت عواصف البحر ورياحه تمشط جدائل الأرض بمطرها الأنثوي، وكما تبرز في ثنايا القصائد حالات عدة من الغياب والفقدان حالة من التوق الى ما هو جميل في هذا الكوكب المسكون بتاريخ الوجع، هذا الى جانب حضور أشكال من الخراب..الخراب الذي حرق الأرواح وسكن الأرض، ولا يخلو الديوان من القصائد التي تمعن في العشق وما استوطن قلب الشاعر من شغف وعشق تجاه أنثاه، شاعر يذهب بعيدا حين يتفكر في المعنى وشؤونه، حاملا قلبه على أجنحة الحروف محلقا المعاني والحنين.

من قصيدته «أتفكر بالحب»، نقتطف هذا المقطع:»أتفكَّرُ في الحب وفي قواه الخفية/ أُكوِّر الخيال قمراً وأعرضه على طيفها كي أُجدد ضوء القصيدة/  وأعدّ أيامي القمرية بالمعاني/ لأعرف وجهي حين يعود كالعرجون القديم/ أهيئ المناديل لما ينبئ عن دموع آتية/ وأدرك إنَّ الذي لا يُرى في الحب أقوى حضوراً فينا من أجسادنا البالية/ فأسأل هل أسأتُ إلى الحنين لأغرق فيه/ وهل نسج الحلم من عمري غيمة ليعصرها بعينيَّ وينكسر الكلام؟/ هل أسأتُ إلى الحنين ليحيك بمسلة الذكرى جسدي/ على نافذة في الظلام؟/ كسرتُ مرآتي كي أرى وجهي صافياً منها/ ضيَّعْتُني في الطريق فبكى الرصيف/ ونزًّ الجدار».
ويأخذنا الأسمر عبر قصائد إلى مساحات من الشأن الروحي والذاتي، محاورا نفسه وروحه في المرآة، فاردًا قميص ذكرياته، قصائد لا تخلو من فلسفة القول الشعري.
من قصيدة «هذا أنا»، يقول:»هذا أنا/ يُخَيَّلُ لي أني أذهب للنوم واحداً/ وأترك شخصين يتحاوران في المرآة/ واحداً مرهقاً من صورته في مرايا الصباح/ وواحداً تلبَّسَه جنُّ الفراق/ فأنسلُّ من بينهما على حذرٍ/ فأراهما قبلي مستلقيين على طرفيّ السرير/ وأنا بينهما/ يتنازعان ويمسكان نومي بقبضة ذكرياتي/ فأستجديهما ليخرجا من وقتي قليلاً كي أنام/ فيسخران مني/ ويبقيان على الذكريات قربي/ ويلقيان نومي من النافذة/ ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏‏‏جالس‏، و‏أقف‏‏، و‏‏محيط‏، و‏ماء‏‏‏ و‏في الهواء الطلق».‏‏‏‏
أما قصيدته التي حملت اسم الديوان المحتفى به «بكى نصف الكلام»، قصيدة تحمل في ثناياها الوجع الكامن بين الضلوع، والجسد المسكون بالشوق والانتظار، قصيدة تحيلنا إلى شاعر بكى نصف كلامه، ليعود مثل طفل يأخذه النوم على أطراف القصيدة، الأسمر شاعر مسكون بالألم والتفاصيل الدقيقة لمعنى الخسران في العواطف.
من قصيدة «بكى نصف الكلام»، نقرأ منها:»الشاعرٌ قال نصف الكلام/ وقبل الأوان بكى نصفه الباقي/ بين روح وأشواقها وأشواق وروحها/ خلع عنه جسداً مضرجاً بالانتظار/ ومشى يراوغ دمعته على جُرُفٍ هارٍ/ فانهار به البكاء/ وعاد إلى طفل ينام على طرف القصيدة/ والمارون يتركون أوجاعهم في جسمه/ ويتابعون السير/ فلا أحد ينتبه إلى جسدٍ خسر الرهان على العواطف/ ليربحه الغياب/ قال نصف الكلام/ وقبل الأوان بكى على صدر الحياة نصفه الباقي».