عرار:

نظم منتدى الرواد الكبار أول من أمس، في ملتقى القصة القصيرة الأول بعنوان "إشكالية التغيب والحضور"، والذي شارك فيه عديد من القاصين والنقاد، واشتمل على جلستين نقديتين شارك فيها كل من د. إبراهيم خليل، د. مريم جبر، الباحثة هدى ابو غنيمة، د. نارت قاخون، د. هند ابو الشعر، الباحث نزيه ابو نضال، د. عماد الضمور، ود. هدى قزع.
القاصة سحر ملص ألقت كلمة اللجنة التحضيرية للملتقى، بينت فيها أن القصة القصيرة "تحمل هويتها الخاصة في تاريخ الإنسانية والشعوب وان كانت قد تلونت بألوان شتى، بدأت بالحكايات التي تسردها الأمهات للصغار قبل النوم وحكايا شهرزاد، إلى الحكايا التي ظهرت في حياة الشعوب وتناقلها الأجيال".
واشارت إلى أن القصة خاضت غمار التجريب، واشتقت لها دروبا مختلفة تحاذي فيها الشعر والمسرح والسينما، ولكنها ظلت حاضرة أبدا مع تماوج ما بين الخفوت والعلو، بينما قالت هيفاء البشير إن موضوع القصة قديم حديث، ومهما تعالت الأصوات ووجهت الاتهامات نحو القصة تظل مكانتها في آداب الشعوب ولا يمكن لها ان تندثر او تتلاشى.
 الجلسة الأولى التي أدارتها د. هند ابو الشعر وتحدث فيها كل من د. مريم جبر، د. نارت قاخون، الباحثة هدى أبو غنيمة، ود. إبراهيم خليل الذي رأى أن بعض الكتاب الأردنيين تعمدوا منذ بداية السبعينيات القرن الماضي إلى تشويه الواقع بصورة متعمّدة، ليقدم الكاتب عبر تلك الصورة المشوهة دعوته لتغيير ما هو مشوه، والتركيز على التشوُّهات بطريقة تمكن القصة من تقديم هذا الانتقاد في بنية تحتفظ بجماليات الفن الأقصوصي، وفي مقدمة هؤلاء الكتاب "جمال أبو حمدان، وفخري قعوار، محمد طملية، بدر عبد الحق، هند أبو الشعر، محمود الريماوي، سعود قبيلات، سامية العطعوط، محمد خليل، جمعة شنب".
وبين أن قصة "الخلخال" لابو حمدان تستند في جانبها النصي على حكاية الراقصة الأسطورية سالومي، والفتى الغريب، الذي يعشق التجوال بين المقابر، والخرائب، والآثار، فالقصة تقول ما لم تقله الحكاية الأسطورية عن سالومي، بينما يتساءل محمد طملية، في قصة "المدينة" عن (أيّ مدينة هذه التي تقع فيها القصة، فلا يجد جواباً، أي أن الكاتب يهمش المكان تهميشه للشخصية التي تؤدي في القصة وظيفة السارد.
ورأى خليل أن قصة "الملعون"، لعبد الحق حيث يكشف العنوان إيحاءَ المؤلف بالخاتمة. فطالما أنّ القصّة عنوانها "الملعون" وطالما أنّ المشاحنة هيَ الشيءُ الذي يحتلُّ بؤرة النصّ بين السَّيد الكبير والرجل(الزبون) الذي دلفَ لهذا المطعم الغريب، فلا بدّ أن تكونَ النهاية مُنْبئة عنْ أنْ هذا الرّجُل، أو هذا السيد، سيكونُ هو المقصودُ، والمعنيُّ بالكلمة"الملعون"، وتلجأ هند أبو الشعر في قصتها "سالومى"، لتوظيف الأسطورة مثلما يقال، فالقصة تقوم على مخالفة ما هو معروف عن حكاية الراقصة ويوحنا المعمدان.
بينما تحدثت د. مريم جبر عن المرجعيات المعرفية وحوار الخطابات في نماذج من القصة القصيرة الأردنية منها الخطاب الأسطوري في نماذج مختارة لعدد من كتاب القصة القصيرة الأردنيين، ممن اتّكأوا على أنماط من تلك المرجعيات لإقامة بناء قصصي يواكب جديد ما آل إليه تطور هذا الفن في العصر الحديث، ومنهم :"هند أبي الشعر، وهاشم غرايبة، ويحيى عبابنة، وأحمد الزعبي، وفايز محمود، ومخلد بركات"، مشيرة إلى أشكال توظيف والمرجعيات النصيّة القصصية في النماذج المختارة للدراسة، تتجلّى بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في عناوين النصوص أو في متونها، وتحيل القارئ إلى رمز تراثي، أو ديني، أو أسطوري، وتخلق حواراً ما، بين ما يختزن في ذاكرة القارئ من تلك الرموز، وما تقدمه القصة في تشكّلها الجديد والتمثيل الرمزي لها.
فيما تحدثت الباحثة هدى ابو غنيمة عن الحداثة والقيمة في القصة القصيرة الأردنية "جمال أبو حمدان نموذجا"، مشيرة إلى أن القصة القصيرة الحديثة كانت أفقا مفتوحا على كل التأويلات، وإثارة إشكاليات المحتوى والدلالة في كل زمان ومكان، ولها حضورها في الخطاب المجازي والدلالي، والقدرة على توصيل الرؤى والأفكار بأساليب مؤثرة على المستويين الإنساني والثقافي، وشهد عقد السبعينيات تجارب جديدة عبرت عن تحول في الرؤى، بأساليب ولغة جديدة وهي تختلف في أطرها المعرفية وتأثرها بالتيارات الحديثة في العالم، ويعتبر أبو حمدان رائد هذه النزعة، وظهرت هذه النزعة العجائبية في مجموعة "أحزان كثيرة وثلاثة غزلان"، "ومملكة النمل"،"وأمس الغد".
فيما تناول د. نارت قاخون عن مجموعة "عبّودة وأربع عشرة قصة قصيرة أخرى" للكاتب "كمال ميرزا"، أنموذجاً، مبينا أن الأطر المعرفيّة الظاهرة والمضمرة في خياراته السّرديّة وفق نهج يجادل الطُرز السرديّة الحاملة للمحمول السّرديّ، يبدأ أولاً بتحديد الباحث نظامه المفاهيميّ وأدواته الإجرائيّة وفرضيّة القراءة الأوليّة واختبارها ضمن عيار المقبوليّة. محاولة أن لا تكون القراءة نصّاً على النّص بل نصّاً في النّصّ تتكئ على المقولات السرديّة لا الإكراهات التأويليّة. ومحاولة أيضاً أن لا تكون القراءة قراءة للكاتب لا للنّص؛ فالكاتب ينشر هذه المجموعة بوصفها أوّل أعماله.
الجلسة الثانية التي تمحورت حول كتابات المرأة وبداياتها، أدارتها الباحثة هدى ابو غنيمة وتحدث فيها كل من د. عماد الضمور، د. هدى قزع، والناقد نزيه أبو نضال الذي رأى أنه في العام 1954 انفتح الستار عن المشهد القصصي النسوي الأول في الأردن، وعلى ضفتي النهر. ولكن رغم نضج بعض الولادات الأولى إلا أن المسيرة اللاحقة جاءت مخيبة للآمال.. كما لم يصدر حتى العام 1978، وخلال ربع قرن، سوى (18) مجموعة قصصية، ولم تكن المشكلة بالكم فقط، بل بالكيف أيضا، كما أنه باستثناء 4 مجموعات لهدى صلاح وتريز حداد، فقد صدرت الـ 14 الباقية خارج الاردن: سميرة عزام وثريا ملحس وسلوى البنا في بيروت، ونجوى قعوار في بيروت والناصرة، وسميحة خريس في الخرطوم، وبالتالي لم تدخل في جدل الحياة الثقافية والإبداعية.
فيما تحدثت د. هدى قزع عن "صورة الرجل في قصص جميلة عمايرة"، مشيرة إلى إن تنوع الشخصيات الذكورية التي ظهرت في سرد عمايرة يعكس صورة سيطرة الرجل على حياة المرأة من مختلف نواحيها، فيما تناول د. عماد الضمور الخطاب القصصي النسوي بعيداً عن الاحتفالية الخادعة بل بإبراز الخصوصية التي تحققها المرأة الكاتبة لإبداعها القصصي، وهي خصوصية نابعة من طبيعة المرأة وعوالمها النفسية، وحالتها الانفعالية، فهي أشد تأثراً من الرجل فيما يخص المجتمع من معاناة، وما تواجهه من أزمات فكرية.
تلا ذلك قراءات قصصية لكل من: هاشم غرايبة، والياس فركوح، د. هند أبو الشعر، د. سليمان الازرعي، هيفاء ابو النادي، مخلد بركات، سامية العطعوط، هشام البستاني، جميلة عمايرة، ود. فاطمة السراحنة.