صدر حديثا عن دار البيروني للنشر والتوزيع في عمّان كتاب «خزائن المرئي» للناقد والفنان التشكيلي غسان مفاضلة.
يتناول الكتاب الذي حمل العنوان الفرعي «مشهد نقدي في التشكيل العربي المعاصر» العديد من القضايا والإشكاليات التي اقترنت ببدايات الفن التشكيلي المعاصر في العالم العربي ومساراته وتحولاته، وما صاحبها من ظواهر ومتغيّرات سادت وتجذّرت في المنطقة العربية منذ بدايات القرن الفائت، وهي المرحلة التي اتسمت بالاضطراب والتوتر وفقدان المعالم، وما تزال إفرازاتها ماثلة حتى الآن.
كما يتناول الكتاب في أبوابه ومحاوره التي جاءت في 232 صفحة من القطع المتوسط، انعكاس الصراع المتوتر بين الفنان العربي وذاته من جهة، وبينه وبين الفنان الغربي من جهةٍ أخرى، في ظل سياقات ظرفيّة غير متكافئة، ما ساهم في تشكيل صورة ضبابيّة صبغت أفق المشهد التشكيلي برمته، وبخاصةً صورة الفنان العربي الذي ما يزال يبحث عن معالمها وخصوصيتها حتى الآن.
يعزو المؤلف في السياق ذاته، إلى مساهمة الفنان العربي نفسه في تضبيب تلك الصورة، من خلال محاولاته القسرية في البحث عن هويّة ذات إحالات مرجعيّة يتكئ عليها في منجزه التشكيلي.
وهي محاولات بحسب المؤلف لم تغادرمنطقة الاجترار والتجريب على المعطيات المُنجَزة في التشكيل الغربي.
ويخلص الكاتب إلى أن مخرجات تلك المحاولات هي مخرجات «هجينيّة» لأنها لم تنطلق أساساً من خصوصية ذاكرتها الثقافيّة، ولم تنهل، بدايةً، من معطيات خزانها الرمزي والجمالي؛ فجاءت منجزاتها، في أحسن أحوالها، بمثابة توليفات بين المنجز الغربي بمدارسه واتجاهاته الحديثة، وبين المعطيات البصرية الناجزة التي توفرت عليها الحضارة العربيّة والإسلامية.
ويعاين الكتاب في عدد من محطاته، سؤال الشرعية والفاعلية الذي أملته الموجات المتلاحقة للفنون المعاصرة في الغرب، والتي هبطت، فجأةً،مع مطلع الألفية الثالثة في محيطها العربي من دون سياقات ثقافية واجتماعية، واجتاحت مؤسساته الفنية، خصوصاً مع فنون التجهيز والفيديو والحدث والأداء والمفاهيم والبيئة «موجات ما تزال تُثير العديد من الشكوك حول الترويج لـ(فن) مقطوع الصلة عن محيطه الجمالي والاجتماعي والسياسي، ومعزول عن أفقه البيئي والتراثي».
ورأى المؤلف أن سؤال الشرعية والفاعلية حول موجات الفنون المعاصرة في بيئتها العربية، لا ينفصل عن الممارسات والسياسات المسؤولة عن التعطيل الممنهج لفاعلية الثقافة والفنون في مجتمعاتنا؛ وهو ما عطّل دورها المنشود في المساهمة بالنهوض من أوحال التخلّف والفساد، وتحقيق التنمية والتغييروالتحديث؛إنه سؤالٌ متصلٌ، بشكل مباشر، بخفوت صوت الثقافة، إن لم يكن متصلاً بتكميمه، ولجم مسعاه الجمالي والتنويري بشكل مُبرمجٍ، مقابل شيوع ثقافة الاستهلاك والتسطيح والتجهيل.
أستاذ النقد التشكيلي والدراسات الجمالية في الجامعة الأردنية د. مازن عصفور، عدّ كتاب «خزائن المرئي» محاولة جريئة في طرح التحليل الظاهراتي المتوازي بين التجربة الحياتية/ الجمالية- والرؤية الفنية وتمثيلاتها البصرية، وهو ما جعله يقترب من المعاينة اليقظة للعلاقة الإشكالية بين الفن والنقد والعالم.
وفي تقديمه للكتاب، أشار عصفورأن المؤلف تناول من خلال أدوات تحليلية أقرب ما تكون إلى الظاهراتية المحايدة، تجارب العديد من رموز الحركة الفنية والعربية الذين كانت لهم بصماتهم الريادية في الفن التشكيلي خلال القرن المنصرم،مستقصياً مساراتها، ومتتبعاً لتحولاتها، استناداً إلى قراءة تحاول استجلاء العلاقات التبادلية بين الشكل والمحتوى واللغة الفنية الخاصة بكل فنانٍ على حدة.
ويذهب عصفور في معرض تقديمه لكتاب «خزائن المرئي»إلى أن المؤلف يسعى إلى الوقوف على الأسباب التي أفضت إلي ما يسميه بـ»مأزق الفاعلية الإبداعية» وما يرتبط بها من قضايا تتداول باستمرار في ساحة النقد الفني العربي، مثل الانفتاح والانغلاق إزاء العمل الفني بوصفه نصاً بصرياً. ووقوفه، أيضاً،على ظاهرة «الأمية البصرية» التي ما تزال تشكل عائقاً أمام قراءة الأعمال الفنية. ويضيف، بأن مفاضلة، كان لا بد له، في بحثه هذا، أن يتناول أكثر الإشكاليات صلة بموضوع (الأمية البصرية) و(الثقافة النصيّة) ألا وهي إشكالية النقد الفني في العالم العربي، نظراً للدور الذي يضطلع به النقد في تأسيس عملية (قراءة) العمل الفني، وفي تشكيل الثقافة البصرية في حقولها المتنوعة.