|
عرار:
عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع، وبدعم من وزارة الثقافة، صدر الكتاب الواحد والعشرين من الكتب المنشورة حتى الآن للدكتور عبد القادر الرباعي، وهو بعنوان (حفريات النص الشعري الجذري/ التأويلية إطارا). وفي الكتاب احتفاء (بالهيرمنيوطيقا) أو التأويلية وتمثلاتها في تحليل الخطاب الشعري الجذري. ومن الواضح أن الكتاب يقع عبر مجرى اهتمامات الدكتور الرباعي المتوالية في القراءة الجمالية للشعر العربي في أصوله العريقة خاصة. والكتاب يتلو كتابه السابق (نصان وناقد واحد: مقاربة نوعية في جماليات القراءة) الصادر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع أيضاً، 2018م. وقد ابتدأ كتاب حفريات النص الشعري الجذري بفحص مرتكزات التأويلية من خلال آراء أقطابها المؤثرين، كما الكتاب أفاد من نظريات ما بعد الحداثة أيضاً، مثل: السيميائية، وجماليات التلقي وغيرهما. وللتأويلية في الكتاب أعمدة فلسفية تتمثل بمثلث يحمل أساسها الفكري. أما الفصل الثاني فخصص لقراءة النص الجذري الأول وتحليله، وهو قصيدة البردة للشاعر كعب بن زهير، وهي القصيدة التي اكتسبت اسمها وشهرتها لأن الشاعر ألقاها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول الكريم أعجب بها وألقى بردته المباركة على شاعرها تقديراً لما فيها من معان إنسانية عميقة وخيرة وسامية. وإطلاقاً للفائدة التي اكتسبها المؤلف من الفكر النقدي العالمي، انقاد إلى أن يحلل قصيدة كعب تحليلاً سيميائياً تأويلياً. والتأويل كما هو معروف، يشكل العنصر الذي أضافه بيرس إلى السيميائية متجاوزاً به عنصري الدال والمدلول عند دي سوسير. فقد أضاف إليهما – كما يؤكد المؤلف- عنصراً ثالثاً هو (المؤول). والسيميائية في أصولها الأولى تنتحي نهج البنيوية في سيادة المنهج العقلي لدراساتها حول الشعر والفن عموماً، إلا أن أعلامها المتأخرين انحازوا إلى المنهج الجمالي في النقد؛ وذلك بإعلائهم المعنى الإنساني، فالعلامة السيميائية عند جيرالد لودال مثلاً تعنى بالرابط الجمالي بين عالم الإنسان وعالم الأشياء «في شكل فني ذي دلالات حية تنأى عن التجريد والجمود». وتعقيباً على ما سبق انتهى المؤلف إلى القول: «إن التأويل الفني يقتضي الابتعاد عن الإغراق في المحفوظ من المصطلحات الجافة في النظريات النقدية، بما فيها السيميائية ذاتها، وإنما بتحويل ذلك كله إلى لغة حية تستخرج المخزون الانفعالي من النص، وتؤدي إلى تحفيز المتلقي وإمتاعه... وقد كان هذا شأن المؤلف في قراءته لقصيدة بانت سعاد، أو البردة لكعب بن زهير». لقد مكنه منهج النظرية السيميائية بتمثلاتها الجمالية الجديدة من تحليل نصي نوعي لبردة كعب ، بحيث أتت نتائج هذا التحليل السيميائي النوعي مختلفة عن نتائج الدراسات السابقة للبردة، وما أكثرها!. وذلك من حيث التحول عن القراءة المباشرة إلى القراءة المستبطنة للجمل، والفقرات، والأقسام الشعرية، بله الصور الفنية، والإيقاعات الموسيقية؛ وتلونها: ارتفاعاً وانخفاضاً حسب درجات الانفعال في اختلالات مجرى النص المتباينة حد التناقض أحياناً. وقد اختصرت كل ذلك عبارة ختم بها المؤلف ذلك التحليل المطول فقال: «كان تحليل الخطاب الشعري لللبردة توسل بالسيمياء منهجاً ونظرية... ولكن بعد سلوك طريق جدلي تحفيزي لأفكار متضاربة، أو ما يمكن تسميته بسيميائية الجمال، التي تتجاوزت حدود الزمان والمكان إلى التعالي فوق القيود والجمود لديهما. أما الفصل الثالث فخصص لتحليل القصيدة الجذرية الثانيةـ وهي عينية ابن المعتز، ومطلعها:»الدار أعرفها ربىً وربوعا/ حتى أساء بها الزمان صنيعا». لقد أكد المؤلف أن تحليله للخطاب في نص قصيدة ابن المعتز تلك، أتى من خلال الوعي لإنتاجية التأويل مستفيدا من نظرية التلقي واهتمامها ما أسمته بأفق النص. واستجابة المؤلف لمصفوفة الأفق هذه وجدالمؤلف طريقه إلى الفهم ومنه إلى التأويل. وأكد أننا حين نؤول نصاً فإننا نحدث علاقة حميمية بين تجربتنا وتجربة الآخر. فالهم كما يقول مصطفى ناصف: تجربة الاكتشاف، وتجلي الذات، ومعرفة النفس، وانفتاح الأفق واستقطاب المعنى الإنساني الأعمق في النص. وأخيراً انطلق الكتاب من مكونات التأويل المتماسكة، وراح يؤول نصوصاً شعرية، ويراجع نقوداً تراثية وفق رؤية نقدية عصرية تستحضر ( الحفر جمالياً في جذور النص الإبداعي) معتمداً في ذلك كله طروحات أهم النظريات العالمية التي اعتمدت تمثلات التأويلية أسساً مكينة لستيعاب منطلقاتها الفكرية والتطبيقية. وقد أسعفت تلك الأسس في الإجابة عن أسئلة المعرفة المعقدة في كل جوانب البحث موضع الإشكال، وحل التشابكات، والاختلافات، انتصاراً للفكر الحداثي الخلاق. وقد انصب كل هذا في الكتاب الحالي، كتاب: (حفريات النص الجذري الشعري). الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 27-07-2020 08:23 مساء
الزوار: 885 التعليقات: 0
|