مسرحية «لعب الأدوار» للكيني سيبي أوكومو.. عندما تتشظى الأرواح وتصبح الأصوات شخوصاً تائه
عرار:
هزاع البراري يعد الكاتب المسرحي الكيني سيبي أوكومو الذي ولد في 1954 علامة فارقة في المسرح الكيني، حتى أن الكينيين يطلقون عليه لقب «المعلم» نظرا لمكانته العالية وريادته في المسرح الكيني، فقد عايش فترة نضال بلاده من أجل الاستقلال، ووجد من المسرح الميدان الحقيقي بالنسبة لشخص مثله ليعبر من خلاله عن آمال وطموحات الشعب الكيني وعن ما يعانيه من ظروف وتحولات متعددة، خاصة في فترة ما بعد الاستقلال، وكان من أبرزها سؤال الهوية والسياق المجتمعي المتناقض في عمقه، وهواجس المستقبل الغامض، ويعد أوكومو من المسرحيين الأفارقة المنفتحين على التراث المسرحي العالمي، وقدم أعمالا كثيرة في هذا السياق مستلهمة من كلاسيكيات المسرح اليوناني ومسرح شيكسبير وغيرها كان فيها مؤلفا وممثلا ومخرجا، ولم يقف نشاطه في الكتابة والتمثيل والإخراج عند المسرح، فعمل في الدراما التلفزيونية والسينما، وأصدر العديد من المؤلفات وحاز على جوائز عديدة، أكدت على مكانته العالية في الحياة الثقافية ليس في كينيا وحسب بل في القارة الإفريقية بشكل عام. جاءت مسرحية «لعب الأدوار» بنسختها العربية من خلال سلسلة ترجمات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي للعام 2024، لتتيح للقارئ العربي فرصة الاطلاع على نموذج فريد لأحد أهم كتاب المسرح في كينيا ومحيطها الإقليمي، إذ تكشف مسرحية لعب الأدوار عن فكر الكاتب وانغماسه في الحالة الكينية، فهو يقدم نصا سياسيا بشكل غير مباشر، فتظهر المسرحية وكأن اللعبة الدرامية اجتماعية الطابع، عائلية الإحداث والمشاكل، لكنها في لحظة ما تحفر عميقا في البنية الاجتماعية والذهنية الفكرية للمواطن الكيني، الذي يظهر في وسط دوامة صراع داخلي خفي لكنه مثل بركان متربص تحت الأرض قد تنبثق نيراه في أي لحظة، وهو هنا يقع تحت وطأة تشظي الهوية الوطنية، وصراع الأعراق والألوان، هي بلا شك إحدى تركات الاستعمار التي خلفها متعمدا لتبقى تنخر في تماسك المجتمعات وتذكي نيران الفتنة العرقية والطائفية، من أجل إضعافها وتعطيل عجلة التنمية لدى هذه الشعوب لإبقاء الهيمنة الاقتصادية والثقافية عليها. « لعب الأدوار « تتبع تقنية صعبة في بناء الصراع المسرحي، فهي تحول الأصوات الداخلية والأفكار الداخلية، والهواجس والمخاوف التي تدور في داخل الشخصية الحقيقية إلى شخصيات تنمو وتتفاعل وتكون فاعلة في بنية النص المسرحي، وهذا بالتأكيد تحدٍ صعب في الكتابة، وتحدٍ أكثر صعوبة عند إخراج النص على خشبة المسرح وتجسيده كعمل مسرحي أمام الجمهور، وهو تحدٍ يفتح أمام المخرج أبواب التجريب والخروج من براثن الأشكال المعروفة في المسرح إلى محاولة اجتراح رؤى جمالية مغايرة تشتمل على حلول إخراجية غير ما تآلفنا عليه في العروض المسرحية غير التجريبية، إن مزج المؤلف بين الأصوات الداخلية بأن تكون شخصيات حوارية متجسدة وبين الشخصيات الحقيقية في النص المسرحي، يحتاج إلى مهارة عالية وتركيز كبير، كما يحتاج من القارئ أن يكون متيقظا بشكل دائم أثناء القراءة، وهي تؤكد أن تحديات النص تتجاوز المؤلف والقارئ لتصل إلى المخرج والممثل وثم إلى متلقي العرض المسرحي من الجمهور. الشخصيات في مسرحية لعب الأدوار منتقاة بعناية، بهدف تقديم نماذج من المجتمع الكيني، وبالتالي الكشف عن طبقات الصراع المجتمعي، وعن الصدام الخفي بين هذه الطبقات، فبين الغني المتعلم، وأبنائه المنجذبين للنموذج الغربي سواء بالدراسة أو العمل والإقامة في دول مثل بريطانيا وأمريكا، أو الطبقة العاملة ممثلة بعاملات المنازل أو المدرسين، أو من يمتهن العمل في السياسة والبحث عن المناصب والمكاسب المادية، كما أن الحوار الذكي الذي يكشف مستويات ثقافية متنوعة، يكشف أيضا هذه الأبعاد وخاصة العنصرية المختبئة هنا وهناك، وحوارات تظهر الانجذاب أو الانخداع بالنموذج الغربي أو الرجل الأبيض وتفوقه على باقي الألوان، وأن عدد من الأفارقة ما زال يقع تحت هذا التصور غير الواقعي، لكن التمايز المجتمعي بين الكينيين الأصليين وبين من هم من أصول هندية أو غربية أو غيرهما يبقى متوفرا، وهو حال كثير من الشعوب في أفريقيا وغيرها، وهنا الكاتب المسرحي أوكومو يلمس كل هذه المفاصل دون أن يغرق فيها، هو يؤشر باتجاهها ويترك للقارئ/ المتفرج أن يلتقط طرف الخيط ويواصل سلسلة البحث والفهم، وهذه ميزة تحسب لصالح النص المسرحي، بالإضافة لغرابة البنية الفنية وصعوبتها، كما أن اللغة جميلة ومثقفة ويدخل فيها الشعر مع التراكيب الحوارية الرائعة التي تضفي على النص جمالا وحيوية خاصين، ورغم أن الترجمة تأخذ الكثير من جمال ورونق اللغة الأصلية، لكن ملامح هذه اللغة وتجلياتها واضحة وتستحق الثناء.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 01-11-2024 10:43 مساء
الزوار: 60 التعليقات: 0