عرار:

اختلفت آراء النقاد حول استخدام اللغة العامية في الأعمال الأدبية سواء أكانت شعراً أم نثراً، هذا ما ذهب إليه بعض النقاد الأردنيين، مؤكدين أن قضية العامية والفصحى قضية قديمة جديدة في الوقت نفسه، وإن العاميات العربية لها جذور في اللهجات العربية القديمة، ويرى البعض أن السرد الشعري يحتضن كثيرا من الألفاظ الدخيلة والمعربة والغريبة والعامية والنابية أحيانا.
«الدستور»، التقت بعض النقاد وحاورتهم حول استخدام الشعراء والساردين للمفردات العامية في نتاجاتهم الإبداعية، وما مدى الإفادة من هذه الاستخدامات وانعكاساتها المنتج الإبداعي.
 د. زياد أبو لبن
أحيانا بعض المفردات العامية تزيد النص انفتاحا وتألقا إذا جاءت اللفظة في مكانها، فهي تعطيه غنى في المفردة، وهذا ليس بعيب في الشعر أو يضعف مكانته، ولكن إذا جاءت اللفظة العامية حشوا أو حشرا في الجملة الشعرية فهي تضعف الشعر وترديه قتيلا، فالشعر العربي الحديث محملا بألفاظ عامية له مذاق مختلف على غير القول لو استعمل اللفظ الفصيح، وشواهد ذلك في شعر كبار الشعراء، ولكن المهم أن لا تجد إسفاف القول الشعري.
وقضية العامية والفصحى قضية قديمة جديدة في الوقت نفسه، وإن العاميات العربية لها جذور في اللهجات العربية القديمة، وهناك من تحدث عن رد العامية إلى الفصحى، أو تفصيح العامية، وهذا مرده إلى دراسات تحفر في اللغة وسياقاتها التاريخية، ولا يتوقف الأمر في الشعر وإنما يتسع مساحة في القصة والرواية، أي أن السرد قادر على حمل اللفظة العامية في سياقها، وأظن أن السرديات الشعرية أيضا قادرة على حمل المفردة العامية.
إننا إزاء تغير في المفاهيم والرؤى، وألا نكون منغلقين على أنفسنا أمام التجريب في كل أشكال الفنون الأدبية والتشكيلية، مما يتيح لنا أن نشاهد ما هو جديد وجميل وتتقبله الذائقة، وليس أدبا أو فنا منزوع الدسم، وإنما قفز على السائد، وتجاوز للمألوف.
وأنت وأنا وغيرنا لا يمكن أن نرضي الذائقة بلون أو بفن أُحادي الجانب، وإنما نطرح أنواعا وأشكالا، وهناك من يستسيغ هذا الفن وهناك من يرفضه، ولكل ذائقته التي يتمتع بها أو تربى عليها.
 د. محمد القواسمة:
اختلفت آراء النقاد حول استخدام اللغة العامية في الأعمال الأدبية سواء أكانت شعراً أم نثراً، فمنهم من رحب بهذا الاستخدام، وحجته أن اللغة المحكية تقرب النصّ من الواقع، ومن حياة الناس، وتعمق صدقه الواقعي، وتزيد من صدقه الفني. ويؤكد هذا الفريق أن اللغة المحكية هي في الأصل الجانب الذاتي في النظام اللغوي، فيما يطلق عليه العالم اللغوي السويسري دي سوسير الكلام. ولهذا فليس من الغرابة أن كثيراً من الكلمات يمكن إرجاعها إلى اللغة الفصحى.
أما من رفض استخدام اللغة العامية في الأدب فحجته أن في استخدامها إضعافًا للغة الأم والتقليل من شأنها وبخاصة وهي اللغة التي أنزل بها القرآن الكريم. كما أن ذلك من عوامل ضعف الأدب، وخفض قيمته الجمالية التي تكمن كما يرى هذا الفريق في جزالة اللفظ وقوة التعبير.
نحن هنا لا ندعو إلى إحلال العامية مكان اللغة الفصحى في الأعمال الأدبية؛ ففي هذا خطورة ليس على اللغة فقط بل على مستخدمها أيضاً بوصف اللغة عاملاً من عوامل الوحدة والتواصل بين أبناء العروبة، وهي الحامل للثقافة العربية والفكر العربي. لكنا نرى لا مانع من تطعيم النص الأدبي بكلمات عامية وبتراكيب محكية، كما فعل على سبيل المثال الشاعر الأردني المعروف مصطفى وهبي التل (عرار)، فنلاحظ أن الكلمة العامية المستخدمة تزيد شعره جمالاً؛ فنحس بأنها في مكانها، ولا توجد كلمة فصحى تحل محلها.
وإذا كان الشعر في العادة يلجأ إلى استخدام كلمات عامية فنجد بعض الروائيين يجعلها لغة الحوار بين الشخصيات. كما لاحظنا على سبيل المثال عند غالب هلسا وبعض الروائيين الذين نالت رواياتهم جوائز مهمة، مثل رواية «الطلياني» لشكري المبخوت، ورواية «مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة».
إنّ هدف الشاعر أو الروائي هو أن ينجح في التعبير عن مشاعره بأي طرق يراها مناسبة لهذا فإن التضييق عليه كي يستخدم اللغة الفصحى يحد من انطلاق قريحته وتحقيق الجمال فيما يكتب؛ لهذا فإن الصواب أن نتركه وشانه دون الوصاية اللغوية عليه. لننظر إلى العمل نظرة شاملة؛ فليست القصيدة أو الرواية كلمات فصيحة أو عامية، وإنما هي بنية تتكون من عدة بنيات فكرية وصوتية ونحوية وتركيبية.
 د. عماد الضمور:
تعد اللغة مادة المبدع البنائية ووسيلته التعبيرية لما تمتلكه من طاقات فنية قادرة على صياغة الصور وانتاج الدلالة والبوح بالرؤيا. واللغة واسعة المعاني وبحر مليء بالدرر يبحر فيه الشعراء ويصطادون منه ما يناسب تجربتهم الشعرية ورؤاهم الفنية. ولما كان النظم بالفصحى هو مطلب أساس حفاظا على الهوية القومية ولقدرة هذه اللغة على التعبير لما تمتلكه من طاقات تعبيرية وإرث فكري وحضاري خصب إلا إن السرد الشعري يحتضن كثيرا من الألفاظ الدخيلة والمعربة والغريبة والعامية والنابية أحيانا.
هذا الاتكاء على الألفاظ العامية في النص الشعري أوجد إشكالية واضحة في مدى قدرة الشاعر على الافادة من اللفظ العامي في صياغة تجربته المعاصرة ومامدى قدرة هذه الألفاظ في إيصال المعنى والتأثير في المتلقي. في كثير من هذه الالفاظ مخزون فكري عميق يحتفظ فيه المبدع والمتلقي على السواء، ما يجعل من اللفظة العامية وسيطا مناسبا ومؤثراً وبخاصة اذا خضعت لسياقات النص الشعري ووسائطه التعبيرية
وهذا لا يعني الدعوة لاستخدام العامية في الابداع الشعري بشكل يقود الى الركاكة والمباشرة بل بصياغة ابداعية تختزن دلالات نفسية تختزل كثيرا من التراكيب اللغوية وتمنح السرد الشعري كثافة تعبيرية واضحة وهذا ما نلحظه في شعر عرار وحيدر محمود وحبيب الزيودي وغيرهم من الشعراء الاردنيين الذين جعلوا من اللفظة العامية وسيلة تعبيرية تبوح بالكثير من المشاعر وتكشف زيف الواقع وتفصح عن الرغبة في اصلاحه