يظل لتجربة الأولى وهجها ولذة مغامرتها التي تنبئ في تضاعيفها عن موهبة مطبوعة متجذرة، وسليقة نقية وذوق سام وطبع أصيل. في تجربة الشاعر «إسلام علقم» الشعرية الأولى، نلمس توهجا لافتا، ونتحسس لغة لها كينونتها في معجمه الشعري، وهو المتعدد الموهبة بين كتابة مسرحية ساخرة وقصة قصيرة جدا، ولعل استقراره على الشعر نافذة لموهبته، تجعل منها تجربة غنية، وظّف فيها سمو الشعر بتكثيف القصة بالغوص في عوالم الواقع الذب متح منه مضامينه. هذا الواقع الذي منح النص عمقا وجزالة، وأعطى للشاعر فرصة الوقوع على الحكمة : يسير بنا الزمان بلا رجوع وأسرار تموت ولا تُشاع موشاة بصور فنية لافتة : وتنهال الوجوه على المرايا... معرجا بسلاسة لا إقحام فيها على ثيمة الديوان الرئيسة /الوطن/ الذي تنساب صوره والإحساس به بتلقائية فنية ممسوكة، دونما افتعال أو خطابية. هي الأوطان شوق لا يغيب وإن كثرت على العين البقاع سيبقى حزنها الممزوج فينا كما القبلات يغمرها الوداع. في ديوان «بين العشق والألم» مراوحة فنية ذكية بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، ففيهما يسرّب الشاعر رؤاه ويرسم آفاق لوعاته وهواجسه وأمنياته: دعيني أحمل الحسرات إلى ماض من الآلام يعصرني إلى خوف أراق الفجر أنهارا من الكسف. ولأن الوطن هو التميمة التي نتعوذ بها من عاديات العمر، والموال الذي لا تنفك حناجرنا عن الشدو به، تبرز صورة شهيد الوطن، رجلا وامرأة، شابا وطفلا. شهيدة حقها تزهو عروسا كما النجمات في الوسق الأخير إذا نامت جدائلها بصمت فإن الروح تبح في الأثير زفاف طوّق الدنيا بوهج وإن سالت دماها كالغدير ولا ينسى الشاعر أهالي الشهداء، مدركا بحسه، حجم وعمق الفجيعة التي يحيونها عند فقد أبنائهم الإنساني، راصدا مشاعر الأب بدقة، متماهيا معها مواسيا، معبرا عن والد الشهيد: رعشت ثناياك الحزينة عنوة فلجمت فقدانا يهز ويكسر وطفقت تحزن دون أن تبدي لنا نطف الدموع وفي المآقي أنهر الموت حق والشهادة خيره لكن حزنك في القرارة يعصر فاصبر على هجر الشهيد فإنه يزهو على كتف السماء ويزهر. معجون هذا بحسّ وطني، ومشاعر إنسانية دافقة: تعالي نغني من القدس لحنا ونعدو قليلا أعود جميلا وطفلا صغيرا الاحق طيرا وأرسم شمسا وزهرا ونهرا فأنسى جراحي ونزفي المرير.... نجد في ديون «بين العشق والألم» أيضا إرهاصات الحب الأول، وذكرياته وآماله، مؤطرة بالصور البيانية الناطقة : إذا أتت الرياح مع الصباح وحلّق شعرها فوق البراح سينشر في المدى أطلال ذكرى على قُبل تجول بلا رواح سأذكرها وتذكرها عيوني ويذكر عطرها دوما وشاحي... في القصائد العمودية التي تُحيل للمباشر في العادة، على خلاف أنواع الشعر الأخرى، افتقدتُ النص الذي يحمل دلالات تأويلية، ويسمح للمتلقي أن يكون شريكا، وهذا ملحظ عام تشترك فيه القصيدة العمودية،على اختلاف الأزمان والعصور. أبارك للشاعر هذا الوليد الإبداعي الجديد وبانتظار جديده الذي لا أظنه بعيدا.
مصدر : جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 05-01-2018 09:38 مساء
الزوار: 921 التعليقات: 0