|
عرار:
عمان – عمر أبو الهيجاء يعد الشاعر الدكتور دريد جرادات من الشعراء الذين شغلهم حال الأمة ومن الذين استطاعوا ان يشقوا طريقهم عبر أسفارهم مع القصيدة من حيث الشكل والبناء.. لغة معبرة ومعاينة للواقع المعيش، لغة أكثر انفتاحا ووضوحا على عالم مأزوم ومنكسر يشوبه الكثير من الحذر. من هنا، نستطيع أن نلج إلى مفاتيح وبوابات ديوان الشاعر دريد جرادات الموسوم «أسفار القوافل»، الصادر عن الآن ناشرون وموزعون، ويقع في زهاء 151 صفحة من القطع المتوسط. اشتمل الديوان على مجموعة من القصائد من مثل «ظل الحافلة، الهروب، أجمل الأشياء، لنا الجمال، لله أشكو، انتظار، بارقة العين، جلسة الواثق، دعاء، شوق، بوح عاشق، صور الصمت، طيفها، كالماء أنت، ذاكرة لم يدركها الغرق، حوار على الرصيف، علّمني حبك، يفيض القلب، خفقان قلب، اتبعت هواها، هو العشق، فصل الكلام، طوق الياسمين، ميناء القلب، المطر، مرثاة ما قبل الموت، رصد يوميات حارة جار عليها الزمن، يرهقني صمتك، دعوة، رباه، النوارس تحرس الانتظار، الخيل والشوق، والموج يحمل القلب» وغيرها من القصائد الشعرية التي استطاع من خلالها الشاعر أن يعاين شؤون الذات والشوق والعشق والحب الشفيف ماضيا إلى حالات أخرى عمل على استحضارها ضمن رؤاه، حيث استحضر اسفار الروح وقوافلها في متسع الحياة وشؤونها، فنراه هاربا من عيني حبيبته إلى سماء أخرى لا يعرفها من قبل. يقول في قصيدته «الهروب» :»لست جبانا/ لكني أهرب من عينيك/السماء أخرى لا أعرفها/ من ابتسامة تعلو شفتيك/ أهرب من نظرة تغور بعيدا/ في أعماق القلب/تدفعني للاعتراف أو المثول بين يديك/ وأبوح بما لدي/ فهل بحت سيدتي بما لدي». ويأخذنا مسافرين معه إلى فنون العشق وتعاليمه، هنا يبدو لنا يصعد سلما ليطل علينا من معارضته لقصيدة نزار قباني «مدرسة الحب» التي لحنها وغناها كاظم الساهر نقتطف منها: «علمني حبك أن أحزن/وأنا محتاج منذ عصور/لامرأة تجعلني أحزن/ لامرأة أبكي فوق ذارعيها مثل العصفور/ لامرأة تجمع أحزاني كشظايا البلور المكسور»، هذه اخذته إلى مفاتيح أخرى تذهب بنا بعيدا دلالات ومعان وتأويلات أسقطها على واقعنا المتشظي، راسما من تعاليم معشوقته صورا تستقرىء حالنا وحال العاشق في عالم مصاب بالحرمان، متسائلا كيف للعشق أن يكون سدا منيعا في وجه الظلم والهوان والطغيان. في قصيدته التي أسماها «علّمني حبك» يقول: «علمني حبك/ أن الكرامة هي ما تبقى للإنسان/ وأنك أنت/ الوجه الآخر للأوطان/ وعلمني أيضا كيف يكون العشق سدا منيعا في وجه الطغيان/ وإذا ما انهار الجسد/ فإن الظلم لا يمحُ آثار الإنسان». الشاعر دريد جرادات في «أسفار القوافل» كان أكثر قربا من القارئ والمتلقي حيث بنى قصائده ونسجلها بلغة أكثر تبسيطا مبتعدة عن التهويم والطلسم لتكون بريئة سهلة الهضم، فجاءت شفافة تمعن كثيرا في اللحظة المعاشة تقرأ أدق التفاصيل وتذهب بعيدا إلى شؤون الحياة وارهاصاتها، قارئة وملامسة أيضا غربة الروح وعشقها وأحلامها المبتورة والمهدورة على مساحة الأرض، فكان حزنه ليليا وليله ثقيلا كما الظل، وحلمه مصادر في الزمن الخرب الذي فيه تطاح الأجساد. من قصيدته «حلم» نقرأ منها:» وغفوت ثانية/ فابتدأ الحلم. .أتحلم؟/ ماذا يمكن لك أن تحلم/ في زمن يصادر فيه الحلم/ في زمن تقطع في الألسن/ تكسر فيه الجماجم». ويواصل الشاعر جرادات في أسفار قوافله لتحط بنا رحلته في فضاءات التاريخ في الأندلس ناقشا تراتيله العربية على قبر أندلسي، مستحضرا زمنا مضى للأجداد الذين عاشوا في الأندلس ونقشهم الأزلي وحضارتهم وتاريخ..متباكيا على ما آلت إليه الأحوال وكم من أندلس نبكي الآن بعد الأندلس. «هنا كان اجدادي/ هنا عاشوا/ هنا أقاموا دولتهم/ هنا نشروا حضارتهم/ هنا زرعوا هنا حصدوا/ هنا حرائرهم/ هنا ضحوا هنا ما توا». «أسفار القوافل» للشاعر جرادات بحاجة إلى وقفة تأملية متأنية لسبر ومعاينته والوقوف على مضامينه، وإن جاء الديوان بلغة واضحة تقريرية مباشرة إلا أنها واكبت اللحظة الراهنة وأمعنت فيه. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 13-08-2020 11:18 مساء
الزوار: 1051 التعليقات: 0
|