|
عرار:
حسن محمد العمراني/ مصر عندما يتردد هاجس المَلكة الإبداعية في مخيلة الأديب فهو لا يبحث عن المنتج الأدبي فقط؛ بل والتجويد فيه أيضاً. ومن هنا يبدأ الصراع لخلق نصٍ يتجاوز المألوف من الأفكار والأساليب المكرورة للتعبير عن هذه الأفكار بما يروق لمخيلة المتلقي بوجه عام، ويليق بذائقة القاري المثقف الأريب بوجه خاص. ولأن الأديب المُطَّلِع يختزن في ذاكرته الثقافية معطيات ورموزا تراثية ذات أبعاد دلالية عميقة فهو يحاول - من وجهه نظره علي الأقل- نقل أفكاره عبْرَ منظومةٍ مغايرةٍ من التشكيلات الفنية وأدوات التعبير. ومن ثَمَّ نجده يحيد عن المعتاد من الألفاظ والصور، أو يعيد صياغتها وطرحها بفلسفة ربما تنغلق على المتلقي من عوام القراء؛ بينما تنفتح على تأويلاتٍ عديدة لدى النخبة من المثقفين والكتاب والنقاد. ولأن بعض النصوص تلقي أحياناً حراكاً نقدياً لا بأس به، يشعر بعض أولئك الكتاب والشعراء أنهم قد حققوا ما يرنون إليه، بل ينظر بعضهم بعين الرضا لما حَظِيَ به نصه الشعري أو القصصي أو الروائي من القبول أو الذيوع النقدي- إن جاز لنا التعبير- وكأنه ألقى حجراً ليحرك البقع الراكدة في محيط النقد. ولهذا الصنف من الإنتاج الأدبي مغبَّته الكتابية اللامحمودة؛ إذ ربما ينقطع حبل التأويل بين المبدع والمتلقي ويعتري النص ضبابيةٌ تحول دون تحقق اللذة الجمالية للقراءة من ناحية، وإدراك ماهية الفكرة أو الأفكار الرئيسية التي يرمي إليها الكاتب من ناحية أخرى. بل يمكن أن تتحقق إحداهما؛ ولكن على حساب العنصر الآخر. ولكن تظل بعض النصوص لها خصوصيتها ومداخلها التأويلية لدى النقاد الأكاديميين. وتلك وظيفتهم التي بموجبها يفككون النص إلي شرائح بسيطة يمكن من خلالها فك الشفرات الدلالية والرموز الاستقرائية والدَوال البلاغية والمعادلات البنائية، وتقديمها للقارئ بشكل يخدم النص ولا يبخسه حقه في المعالجة النقدية أو يزيده التباساً. وتلك هي الوظيفة التي أراها في نظري تليق بالناقد البصير ذي الرؤية الثاقبة. وهناك عدد من النقاد ليس بالنزر القليل ممن يضيفون - بقصد أو بدون قصد- للنصوص أبعاداً ونصوصاً نقدية موازيةً تتطلب جهداً ليس باليسير كي يؤولها القارئ بدلاً من توفير الجهد لقراءة النص ذاته. وغالباً ما يجد بعض القراء أنفسهم في مواجهة مع نظريات ومصطلحات نقدية يسوقها الناقد أحياناً بالاسم مثل التناص والتعالي النصي وجامع النص والنص الموازي والميتانصية وغير ذلك من المصطلحات التي لها وزنها في سياقاتٍ أخري غير تلك التي تقيم علاقات لا مشروعة ولا منطقية بين نص وآخر أو نمط وآخر دون مبرر. فالمعروف بالضرورة أن هناك بعض النصوص تفضي لمكنون بعضها للبعض من خلال تلك المناحي النقدية، شريطة توظيفها بشكلٍ تنجلي معه الملامح المشتركة بين نصين أو أكثر، كي يمنح أحدهما الآخر شعاعاً جمالياً كاشفاً. أما الإسقاطات التي لا مبرر لها، فهي لا تسبر غور النصوص التي ربما لو ظلت علي عواهنها لانسربت إلى عقل القارئ ومخيلته طيِّعةً، دون الحاجة لوسيط نقدي يفسد عليه تلك المتعة. وتبسيطاً للأمر يمكننا تصنيف هذه النوعية من الكتاب ومن يجاريهم أو يشاكلهم من النقاد إلى صنفين: صنف كالنَّحات وصنف كالمثَّال. فالأول يمنحنا نصاً مكثفاً ومثقلاً بالمجاز والرمزية ومغالياً في نفس الوقت في العمق الدلالي بما يتطلب قريحةً نقديةً استثنائية، ومن هنا تبدأ محنة الناقد في تذليل عتبات هذا النص للمتلقي، فنجده يدور حول سياج النص، وتتعدد تفسيراته له دون النفاذ إلي مضمونه الأدبي وكشف أبعاده الجمالية الحقيقية. وهناك المثَّال، وهو الصنف ال?خر الذي يقدم نصوصاً مُسهِبةً في الطول والدوران في فلك الفكرة الواحدة، دون تنويعٍ يُذكر علي مستويات الشكل والمضمون، فتنفك عرى النص وأواصره، وتتماهي مقوماته الفنية بما يفكك الوحدة العضوية ويجعل الأفكار تتواتر وتتنافر كجزر دلالية منعزلة عن بعضها البعض. ويأتي بعض النقاد لوضع لمساتهم الأخيرة، فيجتزئون كل فكرة من سياقها الحقيقي ويعلقون عليها دون معالجة جادة للنص، ظناً منهم أن مثل تلك النصوص تسلم أفكارها للقارئ دون صعوبة أو إلغاز . وبدلاً من حَمْل الكاتب على إعادة تدوير طاقته الإبداعية، نجدهم يضعون له أجنحتهم النقدية فيهيم في فضاءاتٍ عبثيةٍ مُغرِقةٍ في الذاتية الممجوجة. وبين هذا وذاك تتصارع الرؤى النقدية بمنأى عن البراح النقدي الإيجابي الفعال والإبداع الأدبي الماتع. جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 28-01-2022 10:53 مساء
الزوار: 931 التعليقات: 0
|