|
عرار: عرار تنشر السلسلة السادسة من بستان الأندلس د.رشا غانم تكتب الشاعرالنبيل ابن اللبانة الداني عندما أتأمل هذه الطبيعة الجميلة التي حبانا الله بها ،أجدني أدرك قيمة الشعراء الذين يعبرون بنبضات قلوبهم عما يحسون به في شعر رائق جميل،وخلال هذه النشوة من التأمل لمحت زهرة كأنها تناديني لتقص لي حكايتها أسرعت إليها ،فأعطيت لي رسالة من شاعر نبيل كان وفيا رائعا ،ترك لنا تراثا شعريا ينم عن موهبته الفذة ،وخياله الرائق،إنه الشاعر النبيل شاعر بني عبّاد (ابن اللبانة الداني ت 507هـ) وقد مدح المعتمد بن عبّاد ملك إشبيلية بأصالة نسبه بقوله: من سرّ لخمٍ، ولخمٌ حيثما شهدتْ تقدمت وبنو العليا لها تبعُ قومٌ يؤالفُ سيماهم طهارتَهم كأنهم بطباع المزن قد طُبِعوا يا وارث المجد عن شُمٍ غَطَارفةٍ بهمْ أنوفُ الخطوب الشم تُجتدعُ ويذكر ابن اللبانة فضل أسرة آل عبَّاد ذات الشرف المحتد، والمجد التالد العريق، فهي تنتمى لقبيلة لخم العربية، صاحبة السيادة، والمعالي الرفيعة، طبعت كل من انتسب إليها بسمات كثيرة تفيض بكل الخير للبشرية كما يفيض المطر على الأرض بالنماء والرخاء، وتفرَّد المعتمد بأنه سليل هؤلاء النجباء. ويبرع في الغزل فيقول: جعلتُ فؤادي جفن صارم جفنه فيا حرَّ ما يصلى به حين يصلُتُ أذلُّ له في هجرِه وهو ينتمي وأسكنُ بالشكوى له وهو يسكُتُ وما انْبتّ حبلٌ منه إذ كان في يدي لريحانِ ريعان الشَّبيبة مَنبتُ ويشكو الشاعر سقام الحب وقد أضناه الشيب بالهجر والفراق، والصد من المحبوب، ولم تفلح شكوى العاشق الولهان في إنبات حبل الوصال من جديد. ولكن هل من يريد الوصل يشكو السقام ؟! فالشاعر يعبر عن عذاباته كأنه يستعذبها ويتلذذ بها. ويبكي آل عبّاد بمدينة إشبيلية الأندلسية بدموع غزار بقوله: هي المقاديرُ لا تُبقى على أحدٍ وكُلُّ ذي نفسٍ فيها لآماد وأسوةٌ لهم في غَيْرهم حسُنتْ فما شماتهُ أعداءٍ وحُسَّاد إن يخلعُوا، فبنو العباس قد خُلعوا وقد خلت قبل حمص أرض بغداد تقول فيهم، وهم أعلى برامكةٍ فالحال كالحال، إفسادٌ كإفساد كانت أسرَّتهمْ من فضلها بهم مثل المنابر، أعوادًا بأعواد إنا إلى الله في أيامهم، فلقد كانت لنا مثل أعراسٍ بأعياد شُمُّ الشواهق فيها كهف معتصمٍ مثل الأباطح فيها خصب مرتاد تباً لدنيا أذاقتهم حوادثها برح العذاب وما دانوا بإلحاد أضحت مُكسَّرةً أرعاظ أسهمهم وأسهمُ الدَّهر فيهم ذاتُ أقصاد ذلّوا وكانت لهم في العزّ مرتبةٌ تحطّ مرتَبَتَي عادٍ وشدَّادٍ وبرع بأخيلته البديعة فيقول: فتية لم تلد سواها المعالي والمعالي قليلةُ الأولاد استعارة مكنية: أضفى على المعالى صفة إنسانية وهي الإنجاب، فصور المعالي امرأة قليلة الأولاد؛ لأنها لم تنجب إلا هؤلاء الفتية يقصد ممدوحيه الذين نالوا العز والسؤدد، فجاء الفعل تلد وقرَّب لنا المشهد. و موهبة الشاعر الرائقة ،ووفاؤه العظيم لدولة بني عبّاد التي نفي أميرها المعتمد بن عبَّاد إلى أغمات بالمغرب على يد الملك المرابطي يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية بالأندلس ،بعد قضائه على دولة ملوك الطوائف ،وعلى الرغم من بداية عهد جديد، ودولة جديدة، إلا أن ابن اللبانة ظل على عهد الوفاء لدولة بني عبَّاد وذهب إلى زيارة أميرها المعتمد بن عبَّاد في منفاه ،وسالت دموعه الحارة لتعبر عن مودة حقيقية غير زائفة، وقد سخر من نفسه أداة لبيان مآثرهذه الدولة ، وأصالة مُلكها،فكانت أشعاره أنشودة حزينة تباكت بها كل أرجاء الأندلس،فما أروع أن يكون الشاعر إنسانًا يفيض بكل معاني الإنسانية! . الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 01-07-2014 07:14 صباحا
الزوار: 7698 التعليقات: 0
|