(دراسة تأملية /موضوعية) نص (أنت) للشاعر د. موسى الشيخاني أنموذجا اعداد الناقد حيدر الأديب
عرار:
الحب في تمثلاته وممكناته الشعرية (دراسة تأملية /موضوعية)
نص (أنت) للشاعر د. موسى الشيخاني أنموذجا
كل نص هو تجربة نفسية وذهنية محايثة لشرائط انتاجها والذهن وجود مواز ومقابل للوجود الواقعي تنطبع فيه صور الأشياء دون أثارها فحين أتصور النار ستكون لها صورة في الذهن لكنها غير محرقة ونعني هنا بالصورة هنا هي ذات الشيء دون اثاره منطبعا في الذهن ويهمنا من معالجة هذه الأشياء قوة التخيل وهي قوة كباقي القوى الأخرى من الوهم والعقل والحدس والظن المنطقي والتخيل فالتخيل هنا هو التصرف بالخيال ومواد الخيال من مشاعر وتجارب نفسية وحياتية ومعرفية وذكريات واراء وقراءات وانطباعات الخ كل هذه المواد يتصرف فيها الخيال نقصا وزيادة وحذف وتركيبا
وهذا التصرف هو إرادة مقصدية تتولد معها في ذات اللحظة إرادة استعمالية على وجه اللغة
المتخيل هنا هو حاضنة تعمل بوجهين الأول هو احتفاظها بالواقع من حيث مادته الأولية ومن ثم تقوم بتغييره او تشكيله تشكيلا جديدا وتطويره اذن هو متخيل تجاوزي يطرح الواقع (إمكانا أو افتراضا أو احتمالا) فهذا الواقع محصلة وليس معطى محصلة تجشم النص كشف بناها وانساقها
وهو غير مسؤول عن تعضيدها أو الغائها بل هو يحمل مهمة أخطر من ان يتبنى او يرفض عبر مؤشراته أنه يقوم بزعزعة مرجعيات الواقع في بناء مواز من الإمكان والافتراض والاحتمال كي يهب اكتشافات اخر من المعرفة في الفهم
والتجربة الذهنية هي الوجود الذهني لمنتجات التخيل مجردا ومحايدا دون أي قالب لفظي لكن الإرادة الاستعمالية تتولد بذات اللحظة ليتنزل هذا الوجود الذهني الى وجود لغوي وهذا الوجود اللغوي ليس هو قوالب الفاظ تشير الى المفردة كذات مفردة بل تشير الى محمولها الذي حفزه التدليل ضمن سياق التركيب وهنا تكون المفردة في اللغة امام أربعة معاجم هي المعجم الذاتي للمفردة والمعجم الثاوي في ذات الكاتب والمعجم المتولد اثناء السياق والمعجم الذي يسقطه المتلقي
وبذلك تتحرك المفردة في عوالم الشعر أيحائيا لتخلق اشكال دلالية متوترة لا تراهن على حسم دلالي وانما متعدد الأوجه
ولكن هل يتحقق هذ عبر الغموض فقط حتى يقال اننا في عالم شعري ام يتحقق وفق بلاغة الوضوح
هل الوضوح بلاغة؟ ما هي البلاغة أصلا؟ كيف تتحرك البلاغة ضمن قيد الوضوح كضرورة ينتجها واقع الحال الشعري يخل بها أي سياق فيما لو أجترحت غيره
لنترك هذا ونجيب على الأسئلة الثلاثة التالية لندخل للحب عبر رصيد قناعة الأجوبة فنقول
هل الوضوح في الشعر تهمة؟ هل الشعر قضية؟ هل الشعر مجال ترميز الذات؟ ثلاث أسئلة تتمرأى في مرايا الشعر
وتنداح في ذائقة المتلقي يتوجب علينا اماطة هذه الشبهة في كنه السؤال كون الناقد يبحث في علائق التركيب وموجهاته ليدخل آمنا حرم الحقل الدلالي للنص
الوضوح تهمة ومثلبة إذا التزمت المفردة هويتها كصراط الى المعاني الثابتة اذ هي بهذا الالتزام تحجب الرصد للتعدد الدلالي وتغدو الكتابة تكريسا للثابت المودع او (نسخا لفعل الجماعة في اللغة ومحاكة للتقاليد الكتابية السابقة وللنماذج التي تم تكريسها )1 بينما أذا كانت المفردة (حالة توتر) تتحرك في زمن شعري حتى وان كانت واضحة فهي تجر وراءها زخما من تواريخ معجمية جمالية والتوتر المقصود هنا هو أن المفردة تأتي في افق تقاطعي من الأدب والفلسفة والأسطورة والتاريخ والفن والموسيقى وبعبارة متخصصة تأتي المفردة محملة ومدججة بسؤالها وبسرب من هكذا كلمات ان ( القصيدة لم تعد كتابة للمتوقع أو المشترك الذي توثق به الذات انتمائها الى الجماعة أو إذعانها لسلطة السابق بقدر ما أصبحت مغامرة جمالية لذات قوامها التعدد لا الوحدة وغايتها السؤال لا الجواب )2
الشعر ليس قضية ولا ينتهي بتحقق صيغ نتائجها فالقضايا واقع عيني واللغة واقع حاضن والنص هو ممكنات التحرك الشعوري لتقديم القضية كظاهرة اذن الشعر ممكنات متغيرة ومستمرة تدخل قضايا متعددة لا ان القضايا تحركها وتنتجها و (فور انتقال الواقع العيني عن طريق الحواس الى لغة ينتج عن ذلك واقع ثالث مستقل عن الواقع الأول هو واقع النص الأدبي )3
القصيدة المنطبعة بقضية ما والمتعينة بخصائصها هي شأن ممكن الحديث عنه لكنها ليست هي الشعر
يقول الشاعر العراقي عبد الزهرة زكي (الشعر كيان لغوي جمالي غير متوقع ومتحرك. انما القصيدة المنجزة هي لحظة من لحظات تجسد الشعر لكنها تظل مجرد لحظة ومهما كانت أهميتها فستظل لحظة عابرة في الزمن في زمن دائم الجريان ذلك هو زمن الشعر) 4
اذن القصيدة الكاملة هي ممكنات الشعر في القضية أو الحادثة كما قدمته القصيدة وليس كما ينبغي ان يكون عليه الشعر
هل الشعر مجال ترميز الذات؟ أدونيس يقول (ان الذات هي اللغة الشعرية بوصفها افقا معرفيا وجماليا ويضيف ان ما يكتبه الشاعر هو الوجود نفسه في صورة اللغة التي يتماهى بها والشاعر يقدم رؤية وبصيرة ولئن أدركنا ان الشاعر لا يقدم حقائق وانما يقدم تجربة أي مجالا للتأويل المتعدد والمتنوع )5
ماذا عن الذات فلسفيا؟ هرمنيوطيقيا؟ ماذا يقول علم النفس الفلسفي؟ لن نجيب هنا وسنقبل بمناخ أدونيس لأننا نتكلم عن ذات شعرية كحصة من حصص التمظهر الأنساني (أنزل من السماء ماءا فسالت أودية بقدرها) 6فقط ننوه ان الفهم القصدي هو استراتيجية يستعان بها في مركب الفهم (الجوهري / القصدي)
بهذه المودة المعرفية نحاول ان ننتسب لنص (انتِ) في فسحة لجر الغرابة والطرافة من مخبئها الى يقين النص
يستهل النص براعته الشعورية بمقطع يبرز هوية المعشوق في توحده دون شريك في أسلوب شرطي محسوم باستثناء
ان كان في دربي
ألف امرأة.....
فلن يروق لي الا انت
في هذا المقطع (دربي / مدى التوقع المفتوح – ألف امرأة الخ التصورات / يروق لي / انت)
يقترب النص بصيغة ممانعة وأخرى متفقة مع النص الرائع لله تعالى (فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة)
يدل النص هنا ان أصل الميل البشري متعدد ومنفتح على أكثر من امراة لأن مستويات الجمال بكل أبعاده مختلف ومتعدد وذو مراتب وجودية متعددة فلا يجد الطبع البشري حرجا أو مشكلة في طلبه للتعدد فمفردة (ما طاب لكم) تعني الميل برغبة مشددة وفي مساحة تجمعهن كلهن في وقت واحد بقرينة (ان خفتم الا تعدلوا) إشارة الى محايثة الحيرة والخوف من استطاعة
ما يخصني هنا هو قابلية الشعور الى ميل التعدد وهو جذر انساني مهجور مؤقتا لكنه فاعل بعد ان يحصل فراق الأولى سواء حبا أو زواجا لأننا نتكلم هنا من حيث أصل تحرك الشعور لا من حيث صيغ تحققه اجتماعيا فنقول بعد فراق الأولى يعود الشعور الى عتبة الصفر في قابلية التعدد فيحدث الحب مرة أخرى قياسا ونسبة الى تجذر الحب الأول ومدى تحمل منافسته بعد فراقه في نفس المحبوب وهذا ما حصل كثيرا وجدا ومنهم من لا يعود للتجربة او لأن الحب وصل درجة التأله وهو التحير في ذات المعشوق
النص القرأني لا ينكر قابلية التعدد بل يشير اليها كممكن اختياري غير ممنوع نظرا لغنى الذات وقابلياتها المتنوعة لكنه يشدد مشيرا الى صفة ان هذا الميل المتعدد ستقوده واحدة حال توفرها (ولن تعدلوا ولو حرصتم) فالميل نحو التعدد سيغطس في كمون شعوري شاحب بحكم المعدوم إزاء من تتملك القلب في ظرفه الراهن فاذا ما حاولت هي خرق هذا الميل باي صيغة ظهرت الطبيعة الموازية
ممانعة النص لهذا المشهد يتجلى انه القلب لو طاب له ألف أمراة في دربة الميول والأطابة بكل مستويات الجمال فان ما طاب لي وما راق لي هو (انت ِ) وانت فقط
وهو بهذا يطابق (لن تعدلوا) في تحقيق بارع سيظهر في تضاعيف النص فعبارة (فلن يروق لي الا انت) الان وفي المستقبل فلن هي استغراق كل مراتب الحب الوجودية ومنذ ان (تحدث إرادة القرب منه ثم المودة، ثم
يقوى فيصير محبة، ثم يصير هوًى، ثم يصير عشقًا، ثم يصير تتيمًا، ثم يزيد
التتيم فيصير ولهًا) 7 على حد عبارة شهاب الدين النويري
يشرع النص بعد ذلك في سرد أحوال العاشق متماهيا كأحوال المتصوف وشارحا أيها في أقرب المفردات شبها بحاله
وان حملت القلم
فحروفي لك كلها غزل
ووصف ابياتها
بحسن جمالك اكتمل
القلم هنا هو الحال بصفته ثملا وكلها غزل أي إني بكلي غزل فيك غير ملتفت لذاتي فالقلم شرب سكره من محبرة انوثتك التي هي مظهر والقلم حال ظاهر فيه والكتابة هي الوصل في عتباته الأولى سيرا الى تحقق كون المحبرة قلما والقلم محبرة تحققا كاملا
يمكث النص واصفا هذا الفقد او مسافة السير وما يرافقها من أحوال بكونه ناسك متعبد وهنا يصف حال الغرام الذي هو (الاستهلاك في المحبوب بملازمة الكمد لملازمة شهود المحبوب والغرام اصطلام نار المحبة لا تخمد ودمعها لا ينفد وقلقها لا يبعد ان الغرام هو لزوم الحب )8
ناسك متعبد
اسهر الليل
......اعد نجومه
لعلي بينهم القاك
وأصبر قلبا
حبه اضناك
وامسح دمع عينين
ابكاها عدم رؤياك
فترفقي بزاهد
مناه رؤياك
انت كالسيف في حديه
موت وحياة
وكالموج في علوه
مد...وجزر
يتابع النص استعراض احواله ويصل الى وصف الشوق ويستهله ب (في كل ليلة اشتاق) دلالة للزوم والتمكن والطواف في حضرة المحبوبة ان الشوق ضرورة تتأتى من كونها محركة للسكون الى درجة القلق لأن القلق هو حركة الحب عن بعد يقول ابن عربي (ومن قام بثيابه الحريق كيف يسكن؟ وهل مثل هذا يتمكن؟ للنار التهاب وملكة فلا بد من الحركة والحركة قلق فمن سكن فما عشق كيف يصح السكون؟ وهل في العشق كمون؟
ان الظرف الزمني (في كل ليلة اشتاق) إشارة الى اللازم الذاتي للحب الي يعيد نشره الشاعر في قيامة أخرى لشوقه (اشتاق الى وهج الفجر حين يمتزج بضياك)
فهذا التلون من أحوال المحبوب في عروض العطر والكلمات ليلا ثم بيان ضياءها بوهج الفجر هي دورة حياة المحب السابح في فلك محبوبته والصدى هنا هو مسافة التذكر الماكث في حطب الشوق المشتعل والمترامي بعطرها اليس العطر دخان الأنوثة المشتعلة وجدا
في كل ليلة اشتاق
الى رائحة عطرك
الى صدى كلماتك
يرن في آذاني
اشتاق الى وهج الفجر
حين يمتزج بضياك
يختم الشاعر بصورة تدحض ما يتفوه به المتصوفة من ان حب المراة مجاز وحب الله هو الحقيقة فلا أدري ما هذا التكلف في بيان الفرق الي لا أصل له لأن حب المرأة مظهر من مظاهر حبه غاية الأمر هو أداء هذا الحب في مظانه وأبرز مظهر يدل على كنه وماهية الحب انه واحد قوله تبارك وتعالى لموسى (وألقيت عليك محبة مني) فمحبته تعالى سرت كطبيعة في حب الناس لموسى ومن خلال هذا الحب قاله له ولتصنع على عيني وفي مشاهد اخر مزج المشهد باعتبار ان سلوك ( اعزة على الكافرين اذلة على المؤمنين هي فرع محبته ( يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
الشاعر هنا ينطلق من حقيقة ان الحب هو حقيقة الحياة بكل ما تعني الحياة ودون هذه الحبيبة لا حياة ولو (كان في دربي
ألف امرأة.....
فلن يروق لي الا انت)
وحروف منثورة
هنا..... وهناك
.......على كل الصفحات
فجودي حبيبتي
ولا تبخلي
فالحياة بدونك
لا تسمى حياة
ان هذا التثغير ....... هو دال مفتوح الأحتمال فالحروف منثورة في الجمر وفي اللغة في الوقت وفي المرايا في الحسرة والألم والحزن وعلى الصفحات مهما اتخذت هذه الصفحات صيغ التمثل من عتبات التمثل المادي الى اقصى روائع التجرد الروحي
أنه يترجى بجمال الذات والقصيدة والحزن ان تجود هذه الحياة بالحياة
هذه الحياة هي (أنت ِ) وأنت هنا ضمير للمخاطب في شكل ألف امرة و (اعد نجومه
لعلي بينهم القاك) وما بين الألف وعد النجوم يتجلى جمال وأتساع الضمير الي خرج من التخصص (جسديا) الى (فالحياة بدونك لا تسمى حياة)